الفرق بين المدرب العادي والمدرب الذي يُلهم جمهوره
“ليس المهم ما تعرفه… بل كيف تجعل الناس يشعرون وهم يسمعونك.”
— مقتطف من كتاب Talk Like TED لـ كارمين غالو
في عالم التدريب، هناك مدرب يُقدِّم نفس المعلومات التي يقدمها غيره، وربما يملك شهادات أكثر، وشرائح عرض أروع، وصوتًا أوضح…
لكن لا أحد يتذكّره.
وفي المقابل، هناك مدرب يدخل القاعة، يروي قصة، يسأل سؤالًا، يضحك، يصمت فجأة…
وبعد أسبوع، ما زال المتدرّب يتحدّث عنه، ويعيد كلماته لصديق، ويشعر أن شيئًا ما تغيّر في داخله.
الفرق هنا ليس في المحتوى.
بل في “الكاريزما التدريبية”.
في القدرة على الإلهام، لا فقط التعليم.
الفصل الأول: المدرب العادي يعلّم… والمدرب الملهم يحرّك
في دراسة نُشرت في Harvard Business Review بعنوان “Why Inspiration Matters”، وجد الباحثون أن الأشخاص الذين يشعرون بالإلهام أثناء التعلم، يكونون:
- أكثر عرضة لتطبيق ما تعلّموه بنسبة 125%
- أكثر قدرة على تذكّر المحتوى بعد أسبوعين
- أكثر رغبة في دعوة غيرهم لحضور نفس الدورة
الإلهام هو الجسر بين المعرفة… والتغيير.
بدونه، يبقى المحتوى معلومات نظرية.
ومعه، يصبح كل تمرين نقطة تحول شخصية.
الفصل الثاني: ما الذي يصنع المدرب الملهم؟
ليست طاقة الصوت وحدها، ولا الذكاء، ولا حتى سنوات الخبرة.
بل هناك 5 عناصر واضحة تفرّق بين المدرب العادي والملهم:
1. القصة قبل المعلومة
المدرب العادي يبدأ بشرح الأداة.
المدرب الملهم يبدأ برواية لحظة إنسانية.
مثال: بدل أن يقول: “سأتحدث عن إدارة التوتر”، يقول:
“في 2017، كنت جالسًا في سيارتي أتنفس بصعوبة، ظننت أنني سأفقد وعيي…”
2. الضعف الإنساني بدل الكمال المصطنع
المدرب العادي يقدّم نفسه كـ”خبير لا يخطئ”.
الملهم يُظهر نفسه كإنسان… فتصبح رسالته أقرب.
المتدرّب لا يبحث عن سوبرمان، بل عن شخص يشبهه… وتجاوز ما يمر به.
3. الأسئلة التي تُربك… لا التي تُرضي
المدرب العادي يطرح أسئلة يعرف المتدرب إجابتها.
الملهم يطرح سؤالًا يجعل المتدرّب يصمت، يتأمل، يعيد التفكير في حياته.
4. لغة القلب مع لغة العقل
المدرب العادي يشرح خطوات.
الملهم يستخدم كلمات تلامس المشاعر، ينظر في العيون، يصمت وقت الحاجة.
5. هدفه التغيير، لا الانبهار
المدرب العادي يريد أن يقول الناس “ما شاء الله عليه”.
الملهم يريد أن يقولوا: “ما شاء الله عليّ، بسبب ما تعلّمته منه.”
الفصل الثالث: دراسة حالة – من مدرب أكاديمي إلى مؤثر في حياة المتدربين
مدرب في مجال التحفيز كان معروفًا بدقته، نظرياته، وعرضه القوي…
لكن رغم كثرة الحضور، لم يكن هناك أثر حقيقي واضح بعد الدورات.
بعد ورشة تقييم، طلبنا منه أن يروي قصة شخصية في بداية الدورة، قبل أي مادة علمية.
فبدأ إحدى ورشاته بـ:
“كنت في العشرين، أنام في غرفة لا يوجد فيها شيء سوى فراش واحد وهاتف مكسور… وكان كل ما أملكه هو دفتر كنت أكتب فيه حلمي أن أصبح مدربًا.”
في نهاية الدورة، كتب له أحد المتدربين:
“هذه أول مرة أحس أن الدورة مو عنك… بل عنّي.”
ومنذ ذلك الحين، تغيّرت نظرة الناس له، وزادت طلبات الاستشارات، وأصبح الناس يشاركون مقاطع من كلامه دون أن يطلب.
الفصل الرابع: كيف تنتقل من مدرب عادي إلى ملهم؟ خطوات عملية
- اكتب قصة شخصية تركت أثرًا فيك، واربطها بموضوع تدريسك.
لا تبحث عن دراما، بل عن صدق. - تحدث عن نقاط ضعفك.
قل لهم متى فشلت، متى شككت بنفسك، ومتى تراجعت… ثم كيف عدت. - استخدم أسئلة مفتوحة تجعلهم يعيدون التفكير في حياتهم.
مثل: “متى آخر مرة أنهيت شيئًا بدأته؟” - تعلّم فن الصمت.
أحيانًا، أكثر اللحظات قوة تأتي بعد جملة قصيرة… وصمت طويل. - استبدل الشرح الطويل بأمثلة نابضة بالحياة.
فبدل “الدماغ يتأثر بالتكرار”، قل:
“تخيل عقلك مثل طريق ترابي… كلما مشيت عليه، صار أوضح وأسرع.”
الخاتمة: الإلهام ليس ترفًا… بل عمق رسالتك التدريبية
أن تكون مدربًا يُلهِم لا يعني أن تصرخ، أو تبكي، أو تستخدم موسيقى حزينة.
بل يعني أن تتواصل مع الحقيقة بداخلك، وتنقلها ببساطة، وجرأة، وصدق.
أن تخرج من عالم “العروض”، وتدخل عالم “التأثير”.
حينها، لن ينسى الناس ما قلت…
بل كيف جعلتهم يشعرون وهم معك.