“إذا لم تفهم رحلة من تُدرّبهم، فإنك لا تدرب… بل تلقي كلامًا.”
— مقتطف من كتاب Designing Your Life لـ بيل بورنيت وديف إيفانز
كثير من المدربين يملكون المعرفة، والشغف، وحتى جمهورًا جيدًا… لكن عندما يبدأون تصميم برنامج تدريبي، يقع الكثيرون في فخ:
“سأجمع معلومات كثيرة، أرتّبها في وحدات، وأبدأ الترويج.”
والنتيجة؟
برنامج ثقيل، لا يحقق نتائج حقيقية، والمتدربون يشعرون أنهم تلقّوا معلومات… لكنهم لم يتغيروا.
في الواقع، البرنامج التدريبي الناجح لا يُقاس بما يحتويه، بل بما يُحدثه.
الفصل الأول: لماذا تصميم البرنامج أهم من محتواه؟
في دراسة نُشرت بمجلة Training Industry Quarterly، وُجد أن البرامج التدريبية التي تبدأ من احتياجات المتدرب وتُبنى حولها تحقق نسبة رضا أعلى بنسبة 63% من تلك التي تركّز فقط على “نقل المعرفة”.
وهذا هو الفرق الجوهري:
مدرب ينقل ما يعرف، وآخر يُصمّم ما يُغيّر.
الأول يُعلّم. الثاني يُحدث فرقًا.
الفصل الثاني: المفهوم الصحيح للبرنامج التدريبي
البرنامج التدريبي ليس مجرد:
- عدد ساعات
- سلايدات باوربوينت
- تمارين وأوراق عمل
بل هو رحلة تغيير مُصمّمة، يبدأ فيها المتدرّب من نقطة A (الوضع الحالي) ليصل إلى نقطة B (الوضع المطلوب).
وكل وحدة تدريبية، وكل تمرين، وكل مثال… ليس له معنى إلا إذا ساعده على التقدم خطوة في هذه الرحلة.
الفصل الثالث: خطوات تصميم برنامج تدريبي يُحدث الأثر
1. حدد “نقطة البداية” بدقة
ما هو الألم الحقيقي الذي يعاني منه جمهورك؟
ليس ما تظنه أنت، بل ما يشعرون به هم.
مثال:
مدربة تعمل على تدريب الأمهات تقول:
“أريد أن أدرّبهم على إدارة الوقت.”
لكن عند المقابلات، اكتشفت أن المشكلة ليست الوقت… بل الشعور بالذنب تجاه الأولاد، والضغط من نظرة المجتمع.
عندما بدأت البرنامج من هذه النقطة، اختلف التفاعل كليًا.
2. صِغ وعدًا تدريبيًا واضحًا
كل برنامج يجب أن يجيب على سؤال واحد:
“بعد نهاية هذا البرنامج، ماذا سيتغيّر في المتدرّب؟”
مثال:
- سيتقن كتابة خطة محتوى شهرية
- سيتوقف عن المماطلة ويبدأ مشروعه
- سيتعلّم كيف يُسوّق نفسه كمدرب محترف
3. صمّم وحدات تدريبية كأنها “محطات في طريق”
لا ترتّب المواضيع حسب المنطق الأكاديمي، بل حسب الرحلة النفسية للمتدرب.
ابدأ بما يُشعل الحافز، ثم أدخله في الوعي، ثم طبّق معه عمليًا، ثم أختم بمرحلة التثبيت والمتابعة.
4. ادمج بين النظرية والتجربة
كل مفهوم يُعلَّم، يجب أن يقابله:
- مثال حقيقي
- تمرين تطبيقي
- حالة من الواقع
- تفاعل مع المجموعة
5. صمّم الإيقاع لا المحتوى فقط
كم مدرب صمّم محتوى عظيم… لكن الجلسات كانت مملّة؟
كل جلسة تحتاج إلى:
- افتتاح قوي (قصة / سؤال محيّر)
- لحظة اكتشاف
- لحظة تفاعل جماعي
- تمرين فردي
- لحظة إنجاز (قبل الختام)
الفصل الرابع: دراسة حالة – برنامج تدريبي غيّر حياة مئات الشباب
مدرب تنمية بشرية عراقي كان يُدرّب على “اتخاذ القرار المهني”.
في نسخته الأولى، وضع 7 محاضرات متتالية فيها كل ما يعرف عن تحليل الذات والمهن والتخطيط.
النتيجة؟ التفاعل ضعيف جدًا.
في النسخة الثانية، أعاد تصميم البرنامج كرحلة:
- الجلسة الأولى: حيرة شخصية (قصة حقيقية + تمرين قيمي)
- الثانية: كشف الميول (تمارين تفاعلية)
- الثالثة: محاكاة مهنية (ضيوف من مجالات مختلفة)
- الرابعة: بناء خطة (استشارة فردية)
- الخامسة: تعهّد علني (كل متدرّب يقدّم مشروعه)
النتائج؟
- 4 أضعاف عدد المسجلين
- تقييم 9.8 من 10 في جودة التجربة
- قصص حقيقية لمتدربين غيّروا تخصّصهم أو بدأوا مشاريعهم
الفرق لم يكن في المعلومات… بل في التصميم.
الفصل الخامس: الأدوات التي يحتاجها كل مدرب أثناء التصميم
- Google Forms لاستطلاع الجمهور قبل البدء
- Miro أو Mural لرسم خريطة الرحلة التدريبية
- Canva لتصميم أوراق العمل والتمارين
- Notion أو Trello لإدارة تسلسل الوحدات
الخاتمة: التدريب الجيّد لا يُرتجل… بل يُصمّم
لا تترك برامجك تنمو عشوائيًا.
ولا تعتمد فقط على قدرتك على الشرح أو تفاعلك القوي.
كل ذلك مهم، نعم.
لكن الأهم هو:
هل صمّمت هذا البرنامج ليأخذ المتدرّب في رحلة حقيقية؟
هل كل جزئية فيه تخدم التحوّل؟
هل سيخرج المتدرب في نهايته… بشيء جديد في عقله، وقلبه، وسلوكه؟
إذا كانت إجابتك نعم…
فأنت لا تدرّب فقط، بل تُحدث أثرًا حقيقيًا في العالم.